• صورة

 

المساريب  .. طرقات القرية ، وشرايين حياتها ، ومسارح احداثها ، ودواوين   وقائعها ، وصحائف ذكرياتها ، عروقها التي نبضت فيها كل انشطتها ، هي الملاعب والمسارب والممرات، وهي عصب القرية ودروب حياتها ، على ضفافها وقف الظيوف والمرحبون والمستقبلون والمعزون ،  وعلى شرفاتها دونت المأثر ، منها عبر كل شيء  ، التاريخ  والبشر والانعام ، وعبرت حِزْم الحنطة وعصم الحطب ، وأخشاب المنازل ، وأدوات الزراعة ، وكل  مقومات الحياة ، كانوا يسلكونها مع السحر وعند الغروب و كل وقت وحين  ،  فيها تبسط الذكريات اشرعتها لمن يسير فيها من اهلها الأن كالغريب الذي لا تنكره احجارها ولاأشجارها وتشفق عليه نسائم هوائها ، وتحلق به أجنحة الذكريات كما ريح المتنبيء  :
“على قلق كأن الريح تحتي”  ،
احوم في اجوائها كأني على جناح طائرة “درون ” تحلق بي في فضاء ممتلئ بالذكريات التي دونت على بسط من ورق ،  اقرؤها واشاهدها في كل منحنى ومنعطف من مساريب الطرفين تلك  ، وقد غدا كل فراق بوابة مفتحة المصاريع من كل حوش وعلى كل مسراب ، ولولا الرحيل لما عادت  تلك البوابات الى الظهور ولما فتحت ، بل بقيت موصدة في وجوه الزائرين والزمن ، تعاقر الصمت وتجتر الاحداث و تكتم الاسرار  ، كل باب  توشح بسواد القطران الذي لم يكن يدر بخلده ذات يوم انه سيفارقه ، وقد كان يظن انه سيقارع به جور الليالي ووقائع الأيام ، فتوشح قطران الابواب  بحزن أسود حين أضناه الفراق ، وبدأ رحلة التخلي  والاستسلام لوقع الشمس ، ونقر المطر ومطارق البَرَد ، ونحت الريح ، وألم الوحدة ، فلم تعد تناجيه وقع حوافر المواشي العابرة له ولا بقايا اصواف الاغنام التي تعلقت باهدابه ، فجاءت نسائج العنكبوت تنوب عنها ، وتستحل نقوشها وكبرياء ثباتها ، ووقوفها على قدم واحدة دون ان تخطو للامام اوتعود للخلف خطوة واحدة ، حتى الصرير الذي كانوا يْسكًتونه بالماء تخلى طواعية عن صريره ، بل عن شدوه وغناه وتعابير حزنه ، وأسرار بقاءه ، واعتزازه بوقوفه الصمودي في وجه العاديات ،  وكل بوابة منها تذكرك انك ذات يوم الى الداخل منها ولجت  كما خرجت ، بوقع مختلف لكل خروج ولكل دخول ، تتنوع قسمات وجوه اهلها ، وتتشابه سحناتها، وتختلف أناتها ، بعض الوجوه العابرة تحملها قامات مديده ، وبعضها مقاربة للارض ، من بواباتها عبر الانسان من زمن الى زمن ، وقد كان مثقل بالهموم ، يكابد الزمن ، ويصارع الشدائد ، ينشد الوجود، ويعشق الحياة ، ونسائم فجر تزيد قواه ، تبحث عن صدر يضمها ،  يعطيها شيء مما يحسه وما يلقاه ،  متعبة تبحث عن مرفأ وجدان تستريح فيه على متكأ في احدى زواياه ، تقترب من  بقايا شعلة نار ” قرض ” متًقدة  جمرها الاحمر مازال وافر ” الدفاه  ” في ليل شاتي ، تكاد برودته تفتت عظام كفيه ومعصمه ، نار … طالما اخرجنا سمر تحلقنا حولها من ألم الخيال الى حقيقة لم تعد كما كانت مفتاحا لفهم اساطير سكون ليلها وظلامه ، حتى ماعدنا ندري أنحن جزء من ذلك الظلام ام كله ، ام لاشيء منه..!
وحين تتقرأ المساريب خطواتي وحين تلمح نظراتي ، تتحول الى شريط سينمائي يختزن جل احداث القرية وتنطبع على جبينه وقائع الازمان ، فتمتزج باتربته وغباره واحجاره ، وتلتصق بجدرانه ، لتفوح من جنباتها روائح العابرين الزكية ، وملامح وقسمات وجوه السالكين  ، تدون حكاياتهم ، وما تبقي على صفحات تلك الوجوه من احداث وعبر  وتعابير وبريق اعين وامتزاج قطرات عرق ودموع وبقايا ضحكات ، وما ناءت به ذات يوم  غواربهم واحتملته اكتافهم وظهورهم من أحمال حد التقوس والانحناء
انها مشاهد وحركة حياه ، فذاك يحمل “مذرى ” واخرى تحمل” قفة  ” قد مليئت بالهموم والاحلام  واطايب منتجات الارض ، واختلطت حتى لم يتبقى لأشياء أخرى مكان على الظهور .
ها انا ذا اتبتل في مسا ريب القرية حيث كان وجهي يتعفر بترابها حين كنت في جنباتها ألهو واسابق اقراني كهبوب الريح فيها ، حتى احجارها كانت ترأف بي حين تجرحني اشواكها او تصتدم بها ، فاقلبها لاجد على وجهها التحتاني ” عش العنكبوت الأبيض ” فاقتلعه واضمد به جرحي .
لا انفك أتقرأ ماعلق بذاكرتي من وقائع دهورها فامتزج بها وتمتزج بي  وتنتابني حالة تجلي روحاني تخلط ترابها بدمي فتبدو لي كاجمل قصيدة حب ترنحت كلماتها على حوافها والتصقت بجنباتها ، فغدوت صداها وهواها وتردادها ، وايقاع موسيقاها وعذب كلماتها
حتى باتت وحشتي في تلك المساريب ليست فراغ أومساحات خاوية ، بل امتلاء وازدحام اطياف وصور وذكريات لاشخاص اكاد الامس اياديهم والثم جباههم واقبل منهم القلوب قبل الأكف ، لهم تتوحش الاعين وتمتلئ بأنسهم الصدور ، وتلهث خلفهم الأرواح ، واعماق الصدور ، وتمتزج بأنفاسهم أنفاسي  ، اكاد اوحي وقع خطاهم ، وينالني من بارد ماء أوانيهم ما يبل صبابة قلبي ويروي عطشها وينير سويداءها
كم مسراب عبرته كي اصل اليك ،   فوجدته سراب يسكنني ،   ويقين يستوطنني  ، وغيهب يقطنني كالشمس التي خلف الغيوم  ، وكنت الحقيقة التي لا تحتاج الى برهان  ، والفجر الذي تغني عصافيره فرحة بمطلعك.
ذات مرة في مسراب بين فناءين كنت احث الخطى  ولم يكن لي حرية الاختيار ، فقد تكشفت لي في لحظة عاجلة ، بارقة طيف شعرت كاني خيط معلق بين بابين ، ونسيت اني احمل على كتفي “رُمًة” وفأس وان وجهتي نحو فضاء ناءِ ، واني مرسل ، ومن ارسلني محتب بفناء مجهول ينتظرتي ، هنا غرق الخيال في سؤال مشحون بين نافذتين على الطريق تطلان . اين غدا قلبي من هذه المساريب …؟؟
لقد ارتحلت المساريب لكن قلبي بقي معلق هناك لم يرتحل بعد ، كنت احمل بين جوانحي  رغبة العودة ، والسير حيث كانوا يسيرون والوقوف حيث كان الخيال يقف بين الوهم والحقيقة ، لكني كنت في موقف لا احسد عليه من الضعف ، فاسارع الى التراجع وعدم الوفاء لنفسي بوعدي بالعودة بحزمة حطب من شجر العتم والعرعر  ، ولا بمحراث احمله على كتفي ، ولا اتبع ابي وهو غاد الى الحقل ، الضعف يسلبني ارادتي ، ولا يعطيني حرية اتخاذ قرار محايد ، حقا انا تائه  ، عاجز عن قائمة تفاصيل كنت احاول مسحها من ذاكرتي ، احيانا انكر على نفسي العودة الى ذكريات عفى عليها الزمن وعاشت غربة المساريب الموحشة  ، التي يلفها الصمت ويغزوها البِلْى ، ويقهرها العقوق والوحدة وحياة الصمت ، احجارها بدأت الوحشة تفتتها
فماجدوى حياة المرء اذا فقد نفسه..!! ، وهو يعبرالمسراب يتتبع صوت تعلق صداه بين نافذتين ، كلما وصل نافذة وجد الصوت قد ذهب الى النافذة الاخرى ، ليسمع من يقول له  ماالحياة برمتها الا  طريق يمضي ، فلا الانتظار يقف ، ولا الحياة تقر ، ولا الصوت يستقر ، دع همومك وارحل فالمسراب بعيد وملئ بحكايات السنوات ، ومترع بقصص الأيام ،  ارحل حتى تلقا شيء منك في منعطف او ” منسم ”  تُرِكت علية ركوة ماء بارد ، كتب عليها ” فيها جرعة لك يا ابن السبيل ..!
توقفت عندها وتساءلت في نفسي من فاعلة الخير هذه ..؟  ولماذا تركت هنا ركوة لا تملك غيرها ..!
توقفت طويلا ووحيدا عند ” المنسم ” وما يزال السؤال قائما وخلفه علامة الاستفهام ،
هنا تعلمت ان الحياة كلها “منسم ” ولربما بدون ركوة اوقربة ماء منسية ، افقت من غيبوبتي ومضيت في حال سبيلي اعبر الطرقات ، وانتقل من مسراب الى أخر بحثا عن وقع خطا عدّت من هنا وتركت خلفها بقية رائحة غراز من برك وريحان وكادي ،المساريب لم تكن فارغة كما هي عليه الان ، كانت تعج بالحركة وتتزاحم بها الخطا ، خطا اقدام  رسمت على قارعة المسراب نقوش ورسوم  متنوعة الايقاع ومختلفة الأثار ، احدهم كان في عجلة من امره يسابق الريح فكان وطئه على الارض خفيفا ، واحيانا لا تجد الا بقايا من أثار رؤوس اصابع اقدامه ، واخر كادت اقدامه ان تغوص في اتربة المسراب فقد كان ينوء عاتقه بحمل ثقيل ، وتلك ليست الا خطا ثور يستاقه طفل صغير ، او بقايا وقع اظلاف حمار كانت تستاقه عجوز متعبة ، قد امتلأت المساريب ببقايا الخُطا فغدت كدفتر مدرسي خطت كلماته العشوائة اقلام غليظة  وأخرى دقيقه ، وعندما ملأه الحزن ، نظر الى السماء ، وتساءل لماذا تبدو السماء قاتمة ..؟ ، لاغيوم ولا سحب ولا امطار  ، لكنها تبدو قاتمة ، هي ليست كذلك لكنها نفسه القاتمة ، وما فعلته السماء ، انها كانت مرآته وذاته ، فقط عكست مافي نفسه ، ولما عرف ذلك .. صرخ   يا الهي هل تبدو نفسي بهذه القتامة..؟؟
وهل باتت امنية المتنبي هي امنيتي
ولو اِستَطَعتُ إِذِ اِغتَدَت رُوّادُهُم
لَمَنَعتُ كُلَّ سَحابَةٍ أَن تَقطُرا
فَإِذا السَحابُ أَخو غُرابِ فِراقِهِم
جَعَلَ الصِياحَ بَبينِهِم أَن يُمطِرا  “
الارتحال آفة المساريب  ،  رغم انه يسري في الدماء منذ الازل ( ربنا باعد بين اسفارنا ) الا انه مشوب بالخوف ، رحيل النفس من البدن وسكنها فيه اشد قسوة ، ووقعه ملئ بالألم ، ومع ذلك فان الرحيل من اعظم سنن الكون ، حتى الغيوم تشق عنان السماء راحلة من أفاق الى اخرى ، والرياح ، والسفن وارتحال الانهار ورعاة المواشي وحتى مربو النحل واختراع الطيران وعبوره الأجواء من قارة الى اخرى ، فهل يقف الارتحال عند مساريب البيوت العتيقة ..؟  ، ام انه تتمة لخطى الارتحال ، رغم انه يحمل في أحشاءه الم الاغتراب ومكابدة الاسفار ، ومع ذلك لم يقف الحنين الى مرابع الصبا حائلا دون الارتحال وما الوقوف على الاطلال واستنطاقها ومناجاتها الا بعض اوجه الصراع بين البقاء والارتحال بين الاغتراب والاستقرار ولولا السفر لما كان الحنين
ايها المسراب لما تحولت الى مرآة اشاهد عليها وجوه الراحلين حين لم اعد اشاهدهم في منحنياتك  ولم اعد القاهم على قوارعك  او اجالسهم على جدران حجائرك وتحت ظلال اشجار طلحك او لوزك .
كم هو مؤلم هذا الخواء الذي  تلوذ بصمته واكتئابه منحنياتك ، مؤلم
يافراق حين المس بقاياك تحتشد على جنبات المساريب تندب بقايا ضجيج اصوات كانت ترن وتعول لتتنفس الحياة فيك  فيغتالها البين والفقد والعدم والوحشة القاتلة
جئت ابحث في المساريب عن بقايا حياة كنت اعرفها لم يتبق منها سوى ظلال اطلال .
ايها الصوت الذي غادر المساريب  دون رجعة ، اتعرف انك اِن عدت – ولن تعود – لأنك صوت الوجع الدفين تحت اضلاعنا  الذي مايزال يصرخ دون ان يسمعه احد لأنه بلا صوت ولأنه مجرد هتاف داخلي نحسه ولا نسمعه
تلك المسار يب لم يكن لها اتصال بالمدن النائية ولا تقود احد اليها ،اقصى ماكانت تصل اليه هي القرى الكبيرة المجاورة ذات الاسواق  او البنادر  حيث منها يكتالون ميرتهم وياخذون علوم القرى النائيه ويلتقون فيها  باقرانهم وأصدقائهم ومن يبادلونهم مودتهم ، حيث تجبى الى الاسواق كل مايحتاجه اهل القرى لحياتهم اليومية من ضرورات
ائها المساريب هل ستعود الحياة اليك ..؟
احبك ياشجر اللوز
حين تجاور مسرابنا
تمد اليه الغصون
وتلقي اليها الثمر
تمد المساريب بالفي
وظل ظليل
والغانيات على جانبيك
يثرثرن وقت السحر
ويطلقن عند اقتراب المساء
اغان السمر
وضحك بريء كلون الشفق
يسابقن ريح المسا عائدات
وقد ملئت بالمياه القرب
واعينهن من البشر والضكات
كل شيء هنا يرحل
الوجوه التي الفناها
الاصوات التي اعتدنا سماعها
نحن نخشى النهايات
نكرهها ولا نحبها
والحياة لا تتوقف
ولا تهتم ببداية ولا بنهاية
المبتدئون كثيرون
والمنتهون كثيرون
والحياة لا تتوقف
اشبه بميناء جوي
لا وظيفة لديه  الا
الارتحال والاِياب
ومابين بداية ونهاية
الكل مجرد لحظة
مجرد نقطة ضوء
ظهرت ثم توارت
مجرد نقطة عطر
مالبثت ان تبخرت
مجرد غيمة صيف
عبرت  ولم تترك أثرا
” الا ألماً حل باعلى شاهق من فؤاده”
لقد سلكت هذا المسراب حتى كدت أمله وهو متمسك بي لم يملني ، لانه يعرفني ولا ينكرني ، خطاي رسمت على قارعته ووجهي مرسوم على جنباته ، كنت اظنه ومازلت أظنه مسرابي ومغداي ومألي وأوبتي ، حفظ حتى دموعي التي سكبتها لفراق
من عبروا هذا المسراب لسنوات ،
واحتفظ بها ، وصوت ضحكاتي تردد صداها هنا ، لكن صوتي غدا ترانيم واغنيات توشحها الحزن ، وروح غمامة برذاذها تنعش حنايا الروح ،وتستمطر بقايا ايام خلت ،شفها الوجد واثقلتها حمائل الزمان  ورجع ذكريات لم تمحها سنين طوال ،
في اخر المسراب مسجد حوى ذات يوم مهج تعلقت بخالقها وسبحت بحمده واسلمت له الأرواح مطمئنة الى
باريئها ، كانت ترفع الأكف بوجل وتقى ،  تؤمل رحمته وتتقي عذابه ، وتعيش في رحابه هنيهات تبتل وتنسك ، حين كانت تأوي اليه يلفها الخشوع ، وامنيات الواثق ، واستجداء العطف والمغفرة .
” هبيني حزنا لم يمر بمهجة
فماكنت ارضا منك حزنا مجربا”
خمسون عاما وقد تزيد وانا اعبر هذا المسراب .
عبرته منفردا وعبرته برفقة غالين اقارب ومعارف واصحاب .
اعبره الان عبور المسافر ، عبور الغريب ، عبور الحزين الذي لم يعد يجد في المسراب من عابر غير الذكريات العابرة  ، لقد ارتحلو جميعا دون رجعة الا بقايا حنين وشيء من بقايا لحظات مضت وتاهت في غياهب الزمن الذي لا يرحم ولا يعود .
“خمسون والمطر الشهي مؤجل لسنابل عقمت عن الانجاب ”
خمسون والعابرون كغيم عابر من غير ماء ، غائبون حتى دون سراب
وانا هنا اعبر المسراب وحدي ، اقراء صفحات من الذكريات ، محت الانواء بعض حبرها  ، وبعض اسطرها ، وكثيرمن حروفها ، وعبثا احاول لم شتاتها ، عبثا احاول الانصات لصدى صوت قادم من احد منعرجاتها ، كلها تتأبى ، وكلها تستعصي ، وكلها تتمرد وانا …….اقف في منتصف المسراب ، علّي اسمع صوت مصراع يُفتح ، او  وقع خطىً قادمه  ، انصت لعل احد يدعوني لكوب قهوة صالبيه  تم جلبها من سوق الخميس من بائع شدوي ، او لعلي ارى  واحدة كانت تستقي الماء وتحمله على رأسها في ” حَلًة ” بيضاء ، او لعلي ارى حمارة عمي البيضاء وقد حملها بسنابل القمح وارسلها الى البيت وحيدة لانها تعرف طريق البيت جيدا،
حتى الذاهبون الى المسجد ، حتى عشاق الصلاة أولئك لم تعد المساريب تراهم وافتقدتهم ساحة المسجد ومحرابه ، ولم يعد يتحاور احد في ساحته ويترقب النجوم ، وهي تصرخ
” يقر لعيني ان سهيل بدا ليا ”  ولم يعد للثريا ومواقيتها ذكر او خبر او حوار او استدلال ،  واخشاب سقفه تهاوت وسقط مرزحه حزنا عليهم ، وبابه انتحب واشتكى حتى تخلعت الواحه وانمحى لونه وقطرانه وغدت بقاياه شاحبة تتساقط اجزاؤه وتتكسر عتبته وجباهته حزنا وألما ،
شاهدت المسجد المحزون وقد حل به البلى  وخيم الحزن على جنباته ، واختفت منه نسخ قرأنية عتيقه
احواش القرية التي تنتهي اليها المساريب ، امتلات باشجار العثرب والطلح المتوحشه ، وكأنها لم تكن ذات زمن تموج بالحركة والنشاط والمشاهد البديعة وهي تئن موجعة القلب مثقلة بنباتات توحشت واخفت حتى الشمس عنها ولم تعد ترى أحدا
” نبدي لها غير مانخفي ولوعتنا
تكاد من صمتها للشوق تعتذر ”
عفوا أيها المساريب
“فبعض البوح ضقت به فسال فوق فمي حرًان يستعر “

ايها المسراب
لماذا اعود اليك لاشقى
امن اجل عهد سيبقى
ام لاجتر ذكرى
لقد جئت طوعاوجئتك كرها
وجئتك مهلا وجئتك اسعى
وجئت لحب دفين وجئت معنًى
فما وطيئت قدمي فيك  جرحا
وما ذرفت عيني الدمع  الا لتبقى
وتمضي السنون وعهدك عهدا
وانت كما انت مسراب رعد وبرقا
احاديث ناسك همسا وجهرا
ووقع خطاهم تؤزك أزا
تحثك بل تستفزك علك تبقى
اعود لامنح امسك شوقا ووجدا
“فليتك تمنح للقلب خفقا ”

جميع الحقوق محفوظه الاديب سعيد صالح المرضي © 2020
تطوير وتصميم مسار كلاود